الأحد، 13 مايو 2012

باحث بحريني متخصص في علم الاجتماع يوسف مكي كتب مقال تحت (عنوان ماذا لوكنتُ مكان الملك)؟

سألني صديقي، وقد بدت عليه علامات التشاؤم، سألني عن رأيي في إمكانية الخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه البحرين.

فقلت له بصراحة: ومن أنا لتسأله هذا السؤال، فأنا لا أملك جوابًا بسبب موقعي باعتباري مواطنًا عاديًا من عامّة الناس. يضاف إلى ذلك أنني لا أفقه في السياسة شيئًا، فأنا كما تعرف من المهتمين بالشأن الثقافي، وحتى متابعتي للشأن السياسي تتم من منظورٍ ثقافي. وأظن أن المعنيين بالشأن السياسي في هذا البلد هم أقدر مني، وأفضل من يعطي الإجابة الشافية على الأزمة السياسية الخانقة في البحرين، وبشكلٍ أدق، فإنَّ ملك البلاد هو الشخص الأول المعني بالإجابة على سؤالك، فهو المسؤول الأول في هذه البلاد.


بادرني صديقي قائلًا: أعرف ما تقوله، لكنني سألتك كمثقف وليس كسياسي، بمعنى رأيك كمثقف في شأنٍ سياسي يخصُّ حاضر ومستقبل البلد، ورأي المثقف في المنعطفات التاريخية كالتي تعيشها البحرين مهم جدًا، وهو أشبه بالبوصلة أو كخارطة طريق، وهذا ما أردته من وراء سؤالي.


وأصرَّ صديقي على طلب الإجابة قائلًا: أريد منك جوابًا، كما أريدك أن تضع نفسك مكان الملك، ولكن كمثقف وليس سياسيًا، فماذا ستعمل للخروج بالوطن وأهله إلى بر الأمان؟

فقلت له حسنًا، ونزولًا عند رغبتك، سأضع نفسي تخيليًّا مكان الملك، وأنني أواجه ثورة شعب منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن، وأنَّ خيار الحل الأمني الذي جرّبته خلال هذه المدة لقمع الثورة لم يعد مجديًا، وعليه فسأقوم لإنقاذ البلاد والعباد بإجراء التالي:


سأجتمع بالمستشارين وكل الناس الحريصين على هذا البلد، وأقول لهم : أيها السادة، أيها المستشارون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بعد تفكيرٍ عميق، وتقليب الحالة التي تمر بها بلدنا منذ سنة ونيِّف، وبعد أن زهقت (أُزهِقت؟) أنفسٌ من أبناء شعبي دونما مبرر أخلاقي لذلك، وبعد تجريب الحل الأمني والعسكري، لم نصل إلى نتيجة ، بل تعقّد الموقف أكثر فأكثر، وزهقت عشرات الأرواح البريئة، فقد قرّرت الآتي:


• إقالة الحكومة الحالية فورًا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بحق وحقيقة، على قاعدة أنَّ الوطن هو ملكٌ لكل أبنائه وليس لشخص مهما علا كعبه وعلا مقامه، وعلى أن يكون رئيس هذه الحكومة من خارج العائلة الحاكمة، ومن الشخصيات الوطنية المشهود لها.


• إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم قيادات المعارضة والاعتذار لهم وبكل شجاعة أدبية وسياسية تتطلبها شخصية الرجل الأول/ القائد/ الملك.


• تكليف الحكومة بالعمل على تهيئة الأجواء لانتخاب لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد، يقوم على أساس المواطنة الحقيقية ويؤسّس لمرحلة جديدة من العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي فترة لا تتجاوز ثمانية شهور على أبعد تقدير.


• الخروج الفوري لقوات درع الجزيرة، فقد كان استدعاؤها خطأً سياسيًا استراتيجيًا لا مبرّر له.

• إبعاد الشخصيات التأزيمية المرتبطة بالنظام سواءً من العائلة الحاكمة، أو من خارج العائلة.

• محاسبة كل من ارتكب انتهاكات بشأن حقوق الإنسان مهما كان منصبه ومقامه.

• الحوار الجدّي بين النظام والمعارضة لوضع الخطوط العريضة للانتقال إلى ملكية دستورية، أسوةً بالممالك العريقة.


• الاعتذار لعوائل الشهداء والمتضررين
.

• سحب كافة المظاهر الأمنية والعسكرية من مختلف مناطق البحرين.


• السماح بحق التجمّع والتجمهر والتظاهر، بشكلٍ سلمي، وفي أي مكان.


• عودة من هم خارج البلاد لأسباب سياسية.


• عودة العاملين والموظفين والمفصولين والموقوفين إلى أعمالهم الأصلية وكأنَّ شيئًا لم يكن، مع كامل حقوقهم.


• وقف المكينة الإعلامية التحريضية .


• تشكيل لجنة المصالحة والعدالة من خيرة أبناء هذا المجتمع .


• إيقاف عملية التجنيس السياسي فورًا، فقد دمّرت البلاد، وحرّكت الغرائز، وضررها أكثر من نفعها .


هنا تدخّل صديقي قائلًا كفى إجراءات، يبدو عليك أنك تحلم. فقلت له ، هذا ما طلبته مني ، فدعني أحلم وأتفاءل وكأنني ملك، أقصد مثقف. أقوم بإخراج البحرين من مستقبلٍ مُرعِب، ولو عن طريق الحلم. لكنَّ الملك الحقيقي لا يحلم، إنما يستطيع أن يقوم بمثل هذه الخطوات التاريخية الجريئة والجسورة في الواقع، وحينها سيكون كل شعب البحرين إلى جانبه، ويهتف عاليًا باسمه. وهنا أتذكر عندما رفع أهالي سترة البطلة سيّارة الملك على راحات أكفِّهم في بداية حكمه، ونثروا عليها الورود والمشموم في أكثر من مكان، وتعالوا على جراحهم وأحزانهم. إنَّه شعبٌ عظيم يستحق أكثر من هذه الخطوات السياسية والتاريخية.


قال صديقي: لدي ثلاث ملاحظات فيما لو تحقّق هذا الحلم وهي:


الملاحظة الأولى: أجزم أنَّ هذه الخطوات الخيالية التي تحلم بها لو تحققت على يد ملكنا، فإن جماهير شعب البحرين ستخرج عن بكرة أبيها نساء ورجالًا، شيبًا وشبابًا، تهتف عاش الملك، عاش بو سلمان، بدلًا من يسقط حمد، والشعب يريد إسقاط النظام، وهذا ما حدث في أول عهده.

الملاحظة الثانية: في حالة قام الملك بمثل هذه الإجراءات سيكون أول حاكم/ ملك عربي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وينقذ وطنه، ويقوم بما لم يقم به الملوك الآخرون؛ التصالح الحقيقي مع الشعب وقواه الفاعلة، عن طريق إعادة الحق إليه فهو صاحب السيادة والسلطة الحقيقي.

الملاحظة الثالثة: وبذلك تكون البحرين قد تجاوزت أخطر حركة سياسية شعبية في تاريخها الحديث والمعاصر. وسيذكر التاريخ والشعب البحريني أنَّ هذا الملك ، وليس غيره، هو الذي استطاع أن يصل بالبلاد والعباد إلى برِّ الأمان. وأن يتجاوز أخطاء آبائه وأجداده لعشرات السنين تجاه هذا الشعب المكافح.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق