السبت، 19 مايو 2012

الأسباب التي تجعل الجيوش العربيّة تظلم شعوبها

تعمل كلّ دولة على إنشاء وتنظيم جيشٍ تكون مهمّته الدّفاع عن الوطن والأرض والكرامة والعزّة، في حال محاولة العدوّ التّعديّ على أرضها وخيراتها، أو في حال الإضطرار لمواجهة العدوّ خارج بلادها. إلّا أنّنا مع ذلك نجد الكثير من الجيوش ـ خصوصاً العربيّة منها ـ لا تقوم بمهمّتها وواجبها الوطني تجاه أرضها وشعبها وكرامتها، وإنّما تقوم بأمور معاكسة لواجبها من ـ ظلمٍ وقمعٍ وقتلٍ وتعذيبٍ ـ لشعوبها وشعوب غيرها.
وقد أصبح هذا الأمر لا يخفى على أحدٍ، حيث لا يمكن لأحدٍ تصديق أنّ القوّات البحرانيّة وبمساعدة القوّات السعوديّة ـ مثلاً ـ تقوم بواجبها الوطني تجاه شعبها الأعزل، فحتى لوّ سلّمنا أنّ الشعب البحريني قد تجاوز الحدود والخطوط الحمر، وأنّه بدأ يهدد الأمن والإستقرار في البلاد، وأنّه قد فرض على النّظام وجيشه التّصدّي له، لكن هل هذا يعني أن يقوم الجيش الوطني وقوّاته وبمساعدة قوّاتٍ أجنبيّة بالتّعدّي على النّساء والأطفال والرّجال جنسيّاً؟ وهل هذا يعني الدّخول على البيوت وإرعاب الأطفال والنّساء وقتل أفراد العائلة أمام أعين الصغار، بل وحتى التّعدّي عليهم جنسيّاً أمامهم؟ وهل يبرّر هذا تعذيب النّاس وإعاقتهم جسديّاً بحيث لا يستطيعون متابعة حياتهم بعد ذلك بشكل طبيعي؟ إذاً ما هي الأسباب التي تجعل الجيوش ترتكب أمثال هذه الأفعال بحقّ شعبها ـ خصوصاً الجيوش العربيّة التي تنتمي إلى مدرسة محمّد المصطفى والتي ترفض كلّ أشكال الظلم ـ؟ لا بدّ من وجود سرّ وراء ما يحصل، وهذا السّر يتّضح من خلال ذكر بعض الأسباب:


السبب الأوّل: ولاء الحكومات المطلق ـ للولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل ـ مما يجعلها تنفذّ كلّ طلباتهم، ومنها إدخال الجيوش في معارك ليست معركتهم وإجبار الجيوش على إرتكاب المجازر وأبشع أنواع القتل بحقّ شعوبها. لكن هذا سبب غير مباشر حيث يبقى للجندي الإختيار في عدم القيام بهذه الأفعال الشنيعة، ومن هنا ننتقل إلى السبب الثاني.


السبب الثاني: تحريض رجال الدّين المأجورين المسلمين على قتل بعضهم، وإدخالهم في الفتنة، وإفتائهم بجواز قمع وقتل المتظاهرين وتبرير الأعمال الوحشيّة لتلك الجيوش، بل عدم التّعليق عليها ونهيهم عنها، مما يجعل من الجنديّ إنساناً حاقداً للطوائف الأخرى معتقداً صحّة وجواز ما يقوم به، فقد يصل الأمر به إلى الإعتقاد بأنّ هذا واجبّ لا مفرّ منه. لكن يبقى أنّ هذا كلّه لا يؤثّر إلّا بالجاهل، فالعاقل مهما كان مذهبه وإعتقاده الدّيني يدرك بالفطرة أنّ هذه الأعمال قبيحة ولا يمكن لأيّ دينٍ أن يسمح به. وبما أنّنا نقطع بوجود العقلاء في تلك الجيوش والمدركين لشناعة تلك الأفعال، إذن لا بدّ من وجود أسبابٍ أخرى أيضاً.


السبب الثالث: وهو الأهم في حديثنا، كون أفراد تلك الجيوش والقوّات لا يتحلّون بالإيمان والعقيدة، وإنّما يحملون إسم الإسلام كشعارٍ فارغٍ فقط دون العمل به، وعليه لا عجب من أن نجد أيّ إنسان لا يتصف بالإيمان يرتكب أبشع أنواع التّعذيب والقتل والإغتصاب. فالإنسان الذي لا يحمل إيماناً راسخاً بوجود الله تعالى ويوم القيامة والجنّة والنّار، ولا يحمل عقيدة صحيحة تردعه عن هذه الأفعال، يصبح كالحيوان يسعى في الحياة لإشباع غريزته وشهواته الحيوانيّة لا غير. فكيف إذا إجتمعت كلّ هذه الأسباب معاً بأنّ كانت حكومته ظالمة تابعة للشيطان الأكبر، ورجال الدّين من هنا وهناك يحرّضون على الفتنة والتّعصّب الطائفي، وكان هو لا يملك إيماناً راسخاً، فهذا لا ينتج فقط حيواناً يسعى لإشباع غريزته، بل سيصبح أضلّ من الحيوان حيث لم يشغّل عقله الذي رزقه إياه الله تعالى، فتنطبق عليه الآية الكريمة القائلة: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ).


وبعد هذا كلّه يتبيّن سبب تأكيد بعض العظماء والحكماء على ضرورة تحصين وتسليح الجيوش بسلاح الإيمان والعقيدة الراسخة وحبّ الوطن والشّعب وإدراك معنى الجهاد الحقيقي، قبل تحصينه وتسليحه بالأسلحة التقليديّة، فإنّ سلاح الإيمان والجهاد والعقيدة هو الذي يضمن نصرة الله تعالى والنّصر المؤكّد، ويحفظ العزّة والكرامة، وإلّا فسوف يفشل أعظم جيش لا يؤمن بالله وسينقلب على مَن وجّهه يوماً وسيمارس عليه نفس الظلم الذي كان يمارسه على غيره. فكم من جيوشٍ وجيوشٍ كانت تحمل أقوى سلاح العالم ومع ذلك هزمت في مقابل قلّة من المؤمنين الراسخين الحاملين لروح الجهاد وحبّ الوطن والعشق للشهادة في سبيل الله تعالى؟ إذن المعادلة معادلة بين السلاح المعنوي الآتي من قبل الله تعالى وبين السلاح المادّي الآتي من الشيطان الأكبر ـ أمريكا وإسرائيل ـ وأتباعه، ولا شكّ أنّ السلاح المعنوي بنصرة من الله هو الذي سيفوز على غيره، ويمنع إنتشار الفساد والظلم والقمع، وهو الذي يضمن عزّة وكرامة الشعوب.

محمود علي مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق