السبت، 26 مايو 2012

العرب والأزمة السورية..الهروب نحو الفخ

إذا ما استثنينا تهافت الحكومة القطرية،ومن بعدها التركية،وإذا ما استبعدنا أبواق قناة الجزيرة القطرية،فإن الأزمة السورية أخذت بالانحسار والتلاشي بين بنود اهتمامات السياسة العالمية والغربية منها خصوصاً. السقوط المدوي للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي أمام خصمه الاشتراكي هولاند،صنع فرصة،ليس لإدارة ملفات السلام بدلاً من ملفات الحرب في اهتمامات العواصم الأوروبية،بل صنع فرصة لالتقاط الأنفاس،وإعادة تقييم الخسائر والأرباح في مسائل التدخل المباشر في شؤون المنطقة الداخلية،وبالمقدمة منها شؤون سوريا،التي تبدو قريبة وبعيدة عن القطاف الأوروبي في آن واحد لأسباب متعددة،منها الفشل الغربي الذريع في خلق بدائل ديمقراطية حقيقية في كل من تونس ومصر وليبيا بعد الإطاحة بأنظمتها التقليدية،والموقفان الروسي والصيني اللذان ينظران إلى الساحة السورية،باعتبارها المربع الأخير في لعبة توزيع النفوذ في المنطقة العربية،والقوس ألإيراني-التركي-الأفغاني-الباكستاني.
عامل آخر تناولته مؤسسة دراسة الحرب الأميركية اسهم في تأخر قطاف الحراك الشعبي السوري،تمثل في أوضاع المعارضة السورية،حيث وجهت المؤسسة في دراسة لها مؤخراً انتقادها للمجلس الوطني للثورة السورية،لإخفاقه في توحيد جهود القوى المنضوية تحت لوائه وعدم قدرته على الانخراط جديا مع قوى المعارضة المحلية،وتراجع مصداقيته ورقعة سيطرته داخل الأراضي السورية كلما اتجهت الأزمة نحو مزيد من العسكرة،وأعربت الدراسة عن دعم المؤسسة للهيئة العامة للثورة السورية.التي تمثل زهاء 70% من المجالس الثورية وغالبية لجان التنسيق المحلية.والتي تنضوي تحت عباءتها قوى المعارضة المسلحة التي أعربت عن جاهزيتها للعمل تحت إشراف المجالس الثورية.هنا علينا أن نتذكر أن المجلس الوطني للثورة السورية،صناعة تركية بامتياز،ترتدي جبّة الأخوان المسلمين،وأن الهيئة العامة للثورة السورية صناعة محلية سورية،لكنها،لا تخلو من تدخلات خارجية،تصل حد التمويل والتسليح والتدريب،والتفجيرات أيضا.
 لحظة التقاط الأنفاس الاوروبية،لم تقابلها لحظة مشابهة عربياً،بل على العكس تماماً،فالعواصم العربية لم تلتقط مؤشر التغييرات الأوروبية،لجهة ترتيب الأولويات،واستمرت في الجري إلى أمام دون أن تلتفت يميناً أو يساراً أو حتى إلى الخلف. إذ أن اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز،ثان أكبر تجمع عالمي للدول بعد الأمم المتحدة الذي انعقد  في مدينة شرم الشيخ المصرية يومي التاسع والعاشر من أيار الجاري لم تكن مناقشة الأزمة السورية مدرجة على جدول أعماله،لكن الضغط القطري والسعودي،نجح في إدراج هذا البند على جدول أعمال الاجتماع،ما جعل سوريا تلجأ،وللمرة الأولى ربما إلى الهجوم،حيث لم تكتف بالاعتراض على هذه الإضافة،وإنما طالبت عبر مندوبها إلى الاجتماع بإدراج ملف حقوق الإنسان في كل من قطر والسعودية على لائحة الأعمال.
 هذا السلوك العربي يساعد الولايات المتحدة والغرب والمنظمات الدولية،على اتخاذ قرارات ضد بعض الدول العربية دون خشية ردود الفعل الدولية،لأنها تمتلك غطاء عربياً يشكل حائط صد ضد أي انتقاد لقراراتها أو مواقفها.
 والمفارقة،أن هذا السلوك العربي الذي تحاول دمشق الفكاك من براثن فخاخه،كانت هي ذاتها من اسهم في صياغته مطلع تسعينيات القرن الماضي،بعيد نشوب أزمة الخليج التي نتجت عن احتلال القوات العراقية للأراضي الكويتية. فبعد أن اتخذ مجلس الأمن قراره 678 الذي يجيز استخدام القوة ضد العراق،أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش اعتزامه إجراء حوار مع نظام الطاغية صدام،لكن وزراء خارجية محور (مصر،السعودية،سوريا) الذي تشكل بمواجهة محور (العراق،الأردن،فلسطين،اليمن)آنذاك،اجتمعوا وأصدروا بياناً يعتبر أن لقرار مجلس الأمن (أهمية كبرى بالنسبة إلى عملية البحث عن تسوية جدية لأزمة الخليج).كان قرار جورج بوش بالحوار قد جاء نتيجة استحقاقين  دولي عام وأميركي داخلي،لكنه أستطاع في نهاية المطاف من النجاح في توظيف العامل العربي في سياسة لي الذراع التي مارسها،بنجاح،مع كلا الإستحقاقين،الدولي والداخلي.
 لو قيّض للموقف العربي الذي مثله محور (مصر،السعودية،سوريا) أن يتماهى بالحد الأدنى مع الموقفين الدولي والأميركي الشعبي من الحرب على العراق،ولا أقول،أن يتقدم عليهما،لخَلَقَ مواجهة متكافئة مع واشنطن وسياسة البيت الابيض،تقوم على الحوار في حل مجمل أزمات المنطقة،وفي مقدمتها،الأزمة الكويتية،بطبيعة الحال. الموقف الدولي كان واضحاً ومنسجماً مع المتغيرات التي جهدت لتفعيل البند السابع الذي يجيز استخدام القوة وما يتبعه من إرهاصات ألقت بظلالها على العلاقات الدولية،هانس ديتريش غينشر،وزير الخارجية الالماني،الخارج قوياً بعد الانتخابات التشريعية في بلاده،أعلن أنه سيتوجّه قريباً إلى بغداد،ومثله فعل وزير الخارجية الفرنسي آنذاك،رولان دوما.
تركيا المتهافتة الآن خلف دوائر الدخان التي خلفتها حرائق الربيع العربي،أيقنت حينها،أن التغيير في العراق هو مجرد مقدمة لتغييرات قد تطال المنطقة بمجملها،لذا تميز موقفها بخصوصية عن الموقف الأميركي،وهي المرة الأولى التي تغرد فيها تركيا خارج السرب الأميركي،حيث استقال تحت الضغط وزيرا الدفاع والخارجية وتبعهما رئيس الأركان.
بالمقابل،لم يعلن أي وزير خارجية عربي موقفاً متميزاً عن موقف واشنطن،وبضمن هذه المواقف،الموقف السوري طبعاً.أنه موقف حق أريد به إرضاء الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب وإدارته،وإلا ماذا بعد حرب (تحرير الكويت)..؟هل تجرأ أحد من العرب على المطالبة بعقد مؤتمر لبحث الأمن الإقليمي،الذي يتضمن بتحصيل الحاصل،القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني،وحقوق الإنسان في المنطقة،واستغلال الثروات ونزع السلاح واحترام سيادة الدول؟
 هذا المشهد يعيد إلى الأذهان،ما يجري الآن على الساحة العربية ويؤسس لما هو قادم من الأحداث على الساحة،الكارثة العربية ليست المفاجأة في ما يحدث،بل التسلسل الطبيعي له،وفق نظرية المقدمات والنتائج،فما يجري في سورية الآن،والذي هو نتاج مشاركتها في قوننته وشرعنته،هو ذات ما سيجري في السعودية وقطر والإمارات وعُمان،وبقوننة هذه الدول وشرعنتها لما سيجري بعد حين.أنه التراكم الكمي للمعرفة السياسية الذي تفتقده معظم الأنظمة العربية، والتي تسعى جاهدة للتراكم الأفقي الذي يمثل في واحدة من أهم تعريفاته،هروبا إلى أمام،لكنه في المحصلة..هروبا باتجاه الفخ.
 الرئيس السوري بشار الأسد وفي مقابلة مع قناة "روسيا 24" التلفزيونية يقول:(يحدوني أمل أن يفكر الرئيس الجديد في مصالح فرنسا...أنا واثق أنها لا تكمن في المزيد من التحريض على الفوضى والأزمات في الشرق الأوسط والعالم العربي بكامله).لكن تحقيق هذا الأمل على الأرض لم يعد حكراً على فرنسا،سواء فرنسا ساركوزي أو فرنسا هولاند،بل هو مرتبط بـ"بروز أدوار إقليمية مغايرة في طور التشكل".تركيا ونفوذها على حساب النفوذ الإيراني والإسرائيلي. مصر وفرصتها لاستعادة دورها كقوة إقليمية مركزية تقود العالم العربي. روسيا و بناء ستراتيجيتها الجديدة على ارث السياسات السوفييتية والروسية،التي كانت على الدوام تنتقد نسق العلاقات الدولية غير العادلة. والاهم غياب محور عربي قادر على الحوار ناهيك عن المجابهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق