الأربعاء، 16 مايو 2012

السعودية تبتلع البحرين عبر "الإتحاد"

"الاتحاد الخليجي" عنوان براق وحلم يدغدغ مشاعر الجميع، لكنه يخفي وراءه الكثير من النوايا الخبيثة للدول المحرضة عليه لاسيما في هذا التوقيت، فللمملكة السعودية التي تحمل لواء هذا الاتحاد مآرب وغايات واطماع تاريخية، فهل تنصاع بقية دول الخليج "الفارسي" لما هو مبيت لها سعوديا؟
خلال الجلسة الافتتاحية لقمة دول مجلس التعاون في الرياض العام الماضي أطلق الملك السعودي نداءً لامراء الخليج دعا فيه الى التوحد في مواجهة الأخطار التي تهدد أمن الخليج واستقراره بحسب رؤية المملكة.

وبعد هذه الدعوة الملكية بدأ العمل على ترويج الفكرة وضرورات الاتحاد وبث مخاوف على مستقبل دول مجلس التعاون.

لكن فكرة الاتحاد والمسوغات التي عرضتها السعودية، لم تلق اذانا صاغية بين شعوب المجلس وفي كثير من الاحيان قوبلت بانتقادات تنسف الأسس المطروحة لهذه الفكرة.
المملكة السعودية لم تكل ولم تمل فهي مازالت مصرة على طرحها ولم تتنازل عنه، لا بل عملت جاهدة على حشد تأييد الممالك والامارات الخليجية فوجدت في آل خليفة كبش الفداء الاول لمخططها على أمل أن تنفك العقدة ويحظى المشروع بتأييد بقية الدول في القمة التشاورية لقادة المجلس في الرياض. فهل تنجح في مساعيها وتهيمن على القرار السياسي والاقتصادي الخليجي؟؟
في السياق نفسه كتب ديفيد روبرتس في مجلة فورين بوليسي الاميركية قائلا: يجتمع قادة دول مجلس التعاون الست (السعودية، قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت) خلال الشهر الجاري لبحث إنشاء اتحاد أوثق بين دول المجلس.
وفي حين، تبدو هذه الخطوة منطقية في ظاهرها، فإنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لدول مجلس التعاون أن تتحد في تكتل.

في ضوء الربيع العربي وانعكاساته على منطقة الخليج " الفارسي"، من الممكن أن نفهم رغبة المملكة العربية السعودية للمشاركة في إقامة مثل هذا الاتحاد، وخاصة مع ما تشهده البحرين من احتجاجات منذ فبراير 2011.

المخاوف الكامنة في البحرين بالنسبة لآل خليفة وحلفائهم من آل سعود في أن ما يجري من احتجاجات في البحرين تتنتقل الى السعودية.

في حين لا يمكن العثور على أي دليل يعزز الادعاء بان ايران تتدخل في الشان البحريني(كما جاء في تقرير رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق القانوني شريف بسيوني).
وتجري مناقشة فكرة إقامة شكل من الاتحاد بين السعودية والبحرين تمهيدا لاتحاد دول مجلس التعاون. ومن شأن هذا الاتحاد الثنائي تسويغ الإجراء العسكري الذي اتخذته السعودية في البحرين، لتمهيد الطريق لاحتمال نشر قوات دائمة من دول "مجلس التعاون الخليجي" في البحرين، وكذا تعزيز النفوذ القوي للسعودية داخل المجلس.
ويبدو أن البعض من حكام آل خليفة على استعداد لإقامة مثل هذا الاتحاد تعبيرا عن مخاوفهم المتزايدة. ونظرا لعدم وجود موارد النفط والغاز في البحرين وعمق المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي المشاكل السياسية في البحرين وتصلب الأزمة، فإن هناك مخاوف من عدم إمكان البحرين (على المدى الطويل) المحافظة على كيانه الاقتصادي المستقل.
أما بالنسبة لاتحاد دول مجلس التعاون ، فإن السعودية حاولت مرارا فرض خط سياسي معادي داخل المجلس تجاه إيران، وفشلت في ذلك، حيث تبنت عمان ودبي وقطر، خصوصا، في كثير من الأحيان سياسات أكثر تصالحا مع طهران وأثار هذا استياء الرياض.
وترى السعودية في الاتحاد، والذي يعني في بعض جوانبه سياسة خارجية مشتركة تأسيا بأنموذج الاتحاد الأوروبي، خطوة حاسمة لتعزيز الهدف المركزي السعودي وهو التوحد ضد إيران.
حتى الآن، فإنه من الصعب على الرياض إقامة اتحاد خليجي لتوحيد السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون.

وعلاوة على ذلك، ماذا ستكسب قطر والإمارات العربية المتحدة أو الكويت، على سبيل المثال، من اتحاد خليجي؟ فدخل الفرد، مثلا، في قطر الأعلى في العالم، وعليه، فليس ثمة ما تستفيد منه الدوحة من الاتحاد في أي شكل من الأشكال.

بينما تواجه الكويت مشاكلها الخاصة مع تجربتها البرلمانية المثيرة للجدل والانقسام. الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة للكويت هو أن أي اتحاد لدول مجلس التعاون من شأنه أن يعقد ويفاقم مشاكلها الداخلية المستعصية.

وثمة مشكلة أخرى أساسية مع أي تحالف أو اتحاد، هو أن الهيمنة عليه ستكون للمملكة العربية السعودية. جغرافيا السعودية هي أكبر خمسة أضعاف من مساحة جميع دول مجلس التعاون الأخرى معا وعدد سكانها أكبر بحوالي 10 ملايين نسمة.

على مدى عقود، تطلعت السعودية، من الناحية الجغرافية السياسية، لقيادة ليس فقط منطقة الخليج " الفارسي"، ولكن يمكن القول على نطاق أوسع منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وسيكون هذا غير مقبول بشكل كبير بالنسبة للكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجميعهم انتهج سياسات مستقلة في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن كل دولة لها سوابق لإجراءات غير ودية مع المملكة العربية السعودية.

أما الكاتب محمد حميد الصواف فاعتبر في مقال له أنه وبالرغم من المواقف المعلنة لدول الخليج حول موافقتها على المقترح السعودي الاخير التحول الى اتحاد متكامل بدلا عن مجلس التعاون القائم، الا ان الكثير من المراقبين يستبعدون ان يجد ذلك المشروع النور على المدى القصير او حتى البعيد.

فدول الخليج "الفارسي" تخفي الكثير من الخلافات المبطنة فيما بينها وعلى اكثر من صعيد حساس، خصوصا انها تخضع لأنظمة حكم فريدة من نوعها في العالم، تتمحور حول سلطة قبائل وعوائل كانت حتى عهد قريب تتقاتل فيما بينها، وتفتقد في اغلب الاحوال الى التأييد الشعبي، وأكثر ما يخشاه حكام دول الخليج من بعضهم البعض هو السقوط فريسة سهلة بيد أحدهم الآخر، مما يجعل منهم على الدوام غرماء فيما بينهم وان اخفوا ذلك.
كما يسعى بعض حكام دول الخليج الى اضفاء نوعا من التوافق فيما بينهم في كل مناسبة يستشعرون فيها خطر خارجي، او تهديدا لمصالحهم، سيما السعودية التي باتت تشعر بوهن شديد بعد خسارتها ابرز حلفائها في المنطقة على اثر ثورات الربيع العربي، غاضة الطرف عن تربص حكام قطر المكشوف بها ومحاولتهم الاطاحة بسلطانهم.

قبل ثمانين عاما سيطر آل سعود على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية، واليوم تبقى نوايا التوسع والسيطرة على شعوب أخرى مطروقة بين أمراء آل سعود لتكون البحرين معبرا لهذه الغايات عبر افتعال من ورق الاعلام السعودي والتلويح بخطر عدو وهمي، فهل تنجر حكومات المنطقة لطلب الحماية السعودية فاتحة أراضيها لقوات درع الجزيرة أم أن وعي شعوبها سيكون كما في البحرين مترصدا لمخططات الاستيطان السعودي.

*ناصر العابد - عربي برس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق