الأحد، 30 يونيو 2013

مصر : معهد واشنطن : مصر ستشتعل مرة أخرى في الثلاثين من حزيران


تعتبر محافظة بني سويف الزراعية في مصر الوسطى والتي تقع على بعد 70 ميلاً إلى الجنوب من القاهرة إحدى معاقل الإسلاميين. وكان الإسلاميون في بني سويف قد حصدوا أربعة عشر مقعداً من أصل ثمانية عشر مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأولى بعد سقوط مبارك والتي جرت في كانون الأول/ديسمبر عام 2011. كما حصل الرئيس محمد مرسي من جماعة «الإخوان المسلمين» على ما يقرب من ثلثي أصوات الناخبين في بني سويف وذلك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012 والتي فاز فيها مرسي بفارق ضئيل.ومع ذلك، لم يزر المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» محمد بديع -- الذي يُدرِّس في كلية الطب البيطري في جامعة بني سويف -- منزله في المحافظة منذ آذار/مارس الماضي، عندما رفع نشطاء لافتات مناهضة لـ «الإخوان» وحاصروا المسجد الذي كان من المقرر أن يلقي فيه بديع خطبة الجمعة. وكما ذكر لي أحد أعضاء «الإخوان» السابقين وليد عبد المنعم الذي يملك مقهى فيه إعلانات ذات صبغة اشتراكية، في الشارع القريب من منزل بديع "بأن هؤلاء الأشخاص قد خططوا لمهاجمته ومحاصرته في المسجد". ويقوم نجل المرشد العام بحراسته حالياً ويجري أحياناً استدعاء أعضاء «الإخوان» لحماية منزله إذا ما تم الإعلان عن مظاهرات على الفيسبوك.إن رد الفعل العنيف المناهض لـ جماعة «الإخوان» الذي أجبر بديع على ترك الإقامة في بني سويف هو نتاج الإحباط الشعبي المتزايد تجاه نظام الحكم الفاشل في مصر المتمثل في إدارة «الإخوان» للبلاد خلال السنة الأولى من حكم الرئيس مرسي. كما أن ارتفاع أسعار الغذاء والوقوف في طوابير الوقود لساعات طويلة والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي -- وكل ذلك التدهور يحدث في فصل الصيف الشديد الحرارة في مصر خلال هذا الوقت من العام -- وقد وضع العديد من المصرين في حالة من السخط والاغتياظ، ورافق ذلك وقوع صدامات بين «الإخوان» ونشطاء مناهضين لـ «الجماعة» وهو ما يعتبر السمة الغالبة التي تميز الحياة السياسية في مصر. كما أن هذه الاضطرابات التي لا تزال محدودة قد تزداد حدتها قريباً. ففي الثلاثين من حزيران/يونيو الذي يصادف ذكرى تولي مرسي للرئاسة، سيقوم نشطاء من المعارضة بتنظيم احتجاجات في أنحاء البلاد تحت شعار "تمرد".
وتزعم حملة "تمرد" أنها جمعت ما يقرب من 15 مليون توقيع على عرائض (وللمرء أن يتقبل هذه الأرقام بكثير من الامتعاض) تسرد العديد من حالات الفشل التي مُني بها مرسي -- على سبيل المثال أن "الاقتصاد قد انهار" وأن مرسي "يتبع الأمريكان" -- إلى جانب المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وإذا كان هذا الطلب يبدو غير واقعي، فهو بالفعل كذلك: إذ لا يوجد سند قانوني لاستخدام حملة لجمع التواقيع من أجل إجبار رئيس مصري منتخب على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.ويقيناً إن هذا شئ يعترف به العديد من مؤيدي "تمرد"، ولذلك لديهم هدف آخر وهو: توجيه السخط الشعبي من رئاسة مرسي نحو قيام احتجاجات جماهيرية من شأنها أن تجبره وكذلك حكومته التي يهيمن عليها «الإخوان» على ترك السلطة. وقال عبد الفتاح صبري رئيس اللجنة المنظمة لحملة "تمرد" في مدينة المحلة الكبرى في دلتا النيل "سنترك منازلنا [في 30 حزيران/يونيو] ولن نعود حتى إسقاط النظام أو الموت". كما أخبرني أنه يتوقع تدفق الملايين إلى الشوارع -- "وستحطم هذه الثورة جميع الأرقام القياسية" إلى جانب إجبار مرسي على ترك السلطة. ثم قال بعد ذلك إن الجيش سيعين مجلساً رئاسياً مؤقتاً تكون غالبيته مكونة من شخصيات غير منتمية للتيار الإسلامي وتتولى إجراء انتخابات جديدة.
وبالطبع، هذا الأمر بعيد الاحتمال إذا ما أردنا أن نكون منصفين. الشيء الوحيد الذي من الممكن التكهن به والذي تستطيع من خلاله المظاهرات الحاشدة الإطاحة بمرسي إذا ما تطورت الأمور إلى حدوث عنف بعد الثلاثين من حزيران/يونيو هو أن يُجبر الجيش على التدخل -- على عكس رغباته وتوجهاته -- لإيقاف ما يمكن أن يكون مواجهات دموية لم يسبق لها مثيل. بيد من غير المرجح أن ينتهي هذا الأمر عند هذا الحد: إن حدوث تدخل من هذا النوع قد يضع الجيش في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين مما سيؤدي إلى قيام بعضهم بحمل السلاح الذي كانوا على استعداد لاستخدامه قبل عام بالضبط عندما كانوا يعتقدون أن المجلس العسكري المصري الحاكم في ذلك الوقت قد يمنع مرسي من تولي رئاسة الجمهورية. وهذا السيناريو يعرفه الجيش جيداً ويريد تجنبه بكل ما أوتي من قوة وهو ما سيكون سبباً في احتمال استمرار مرسي في الرئاسة بحلول الأول من تموز/يوليو.
بيد لا ينبغي أن يكون هذا مصدراً لطمأنة مرسي أو «الإخوان» لأنه -- بعيداً عن الألقاب السياسية -- قد تقع البلاد خارج سيطرتهم بشكل كامل. وقال محمد هيكل أحد المؤسسين الخمسة لحركة «تمرد» إن "المسيرات ستبدأ من أماكن مختلفة وستصل إلى القصر الرئاسي". وأضاف، "كما أننا سنلتف أيضاً حول أماكن أخرى: مثل المكاتب الحكومية وحتى السفارات المصرية في الخارج بما فيها سفارة مصر في واشنطن". وينوي النشطاء الاعتصام في هذه المواقع لأجل غير مسمى، وربما يقومون بتحصين مواقعهم من خلال إيقاف مئات السيارات في أماكن الاحتجاجات المختلفة. وفي الوقت نفسه، يخطط الناشطون من العمال في المناطق الصناعية في مصر إلى القيام بإضرابات رئيسية لتجميد النشاط الاقتصادي حتى رحيل مرسي. وقال لي زعيم العمال في أحد أكبر مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى إن "الأجواء مهيأة لأن العمال مستعدون". وأضاف، "في الثلاثين من حزيران/يونيو، سوف تتوقف المصانع عن العمل، وسنقوم بتنظيم إضرابات في المصانع في جميع أنحاء البلاد".
وسواء حققت مظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو الأعداد التي تتوقعها "تمرد" أم لا -- وهذا من المستحيل معرفته لأن قرار الشخص العادي الانضمام للثورة عادة ما يكون لحظياً -- إلا أن السخط الشعبي الأساسي ضد «الإخوان» والذي يعكسه ما يجهزون له من خطط هو في الواقع واسع الانتشار.
ومع هذا، ينكر «الإخوان المسلمون» ذلك إنكاراً تاماً. فقادة «الجماعة» وأعضاؤها يعتقدون أن مرسي غالباً ما حقق نجاحات منذ توليه الرئاسة وأنهم يرون الاحتجاجات المخطط لها بمثابة دليل على أن مشروعهم طويل الأجل لإقامة دولة إسلامية في مصر هو في تقدم مستمر. وقد قال لي محمود رشاد مدير المكتب الإعلامي لـ جماعة «الإخوان» في محافظة الغربية في دلتا النيل "أخبرنا [مؤسس جماعة «الإخوان»] الإمام حسن البنا منذ سبعين عاماً مضت أن هذا هو الذي سيحدث، لذا لا ينتابني شعور بالقلق بل أثق في أننا نسير على الطريق الصحيح".
وفي الوقت نفسه، يرى «الإخوان» أن حركة "تمرد" هي مؤامرة تديرها أقلية، والتي على الرغم من صغر حجمها إلا أنها تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً -- وتحتاج هذه الأقلية أن ينفضح أمرها من خلال التعبئة المضادة التي ستكون أكثر وقعاً وسبقاً. وقال رضا غانم، مسؤول إعلامي آخر لـ «الجماعة» في الغربية "نحن سنخرج قبل الثامن والعشرين من حزيران/يونيو في جميع المحافظات في شتى أنحاء البلاد للاحتفال بمرور عام على انتخاب رئيس منتخب بشكل شرعي". وبالفعل، أعلنت جماعة «الإخوان» يوم الجمعة أنها ستجري "سلسلة من المسيرات المليونية لحماية الشريعة" خلال الأسبوع حتى تاريخ الثلاثين من حزيران/يونيو المقبل، وأنها قد أبدت مراراً وتكراراً استعدادها لمواجهة حركة "تمرد" وجهاً لوجه. وكما أعلن الأمين العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين» حسين إبراهيم مؤخراً "أن الشعب لن يسمح باغتيال إرادته ... وسيدافع عنها بكل ما أوتي من قوة". وفي هذا السياق، ظهر بعض الشباب من التيار الإسلامي جنباً إلى جنب مع «الإخوان المسلمين» -- في المظاهرة الحاشدة التي نظمتها «الجماعة» يوم الجمعة -- على نحو ينذر بالسوء؛ وقد قام أولئك الشباب بتأدية تدريبات الدفاع عن النفس خلال تلك المظاهرة.
وبطبيعة الحال، واجهت جماعة «الإخوان» معارضيها بشكل عنيف من قبل -- وكانت لذلك نتائج كارثية. ففي الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2012، أرسلت «الجماعة» بعض أعضائها للتصدي لمظاهرة حاشدة قامت بها المعارضة خارج قصر الرئاسة في الاتحادية. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" فإن أعضاء منتمين لـ جماعة «الإخوان» "قد قبضوا على عشرات من خصوم مرسي السياسيين واعتقلوهم واعتدوا عليهم بالضرب... واحتجزوهم لمدة ساعات بينما كانت أياديهم مكبلة على الرصيف خارج القصر الرئاسي، في الوقت الذي مارسوا عليهم ضغوط للاعتراف بأنهم تلقوا أموالاً لاستخدام العنف في الاحتجاجات ضد الرئيس المصري". وقد لقي سبعة أشخاص حتفهم في هذه الاشتباكات، ويرى العديد من النشطاء أن استخدام الحزب الحاكم للعنف ضد خصومه كان بمثابة اللحظة التي قرروا فيها بأنه لم يعد يتسنى لهم التسامح مع رئاسة مرسي.
ومع ذلك، يرى بعض أعضاء «الإخوان» أن حشد أعضائهم في الخامس من كانون الأول/ديسمبر كان خطوة صائبة. وقد أخبرني المتحدث الرسمي السابق باسم «الإخوان المسلمين» أحمد سبيع -- والذي يدير الآن مكتب شبكة "الأقصى" التي تملكها حركة «حماس» في القاهرة -- "إن جماعة «الإخوان» ... ترى أن ما حدث حول الاتحادية هو نوع من اغتصاب الحكم ومحاولة لإنهاء شرعية الرئيس، لذا خرج الشعب لحماية القصر والدفاع عنه". [والسؤال هو] هل سترسل جماعة «الإخوان» أعضاءها مرة أخرى لمواجهة المحتجين المناهضين للرئيس مرسي؟ إن ما قاله سبيع "سنقوم بتنفيذ كل ما تراه المنظمة أو [قادة] «الجماعة» مناسباً".
وفي الوقت نفسه، وبدلاً من تهدئة الأجواء السياسية في هذه اللحظة الحساسة، يزيد مرسي من حدة المواجهة. فعلي سيل المثال، لننظر إلى تعييناته الأخيرة للمحافظين والتي خالف فيها مطالب المعارضة بأن يكون الحكم أكثر شمولاً واستيعاباً لباقي الأطياف السياسية حيث قام بتعيين سبعة إضافيين من جماعة «الإخوان المسلمين» في منصب المحافظ. والشيء الأكثر غرابة، هو قيام مرسي بتعيين عضو من "الجماعة الإسلامية"، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، محافظاً للأقصر التي كانت مسرحاً لهجمات إرهابية مروعة شنتها "الجماعة الإسلامية" عام 1997 والتي أدت إلى مقتل 58 سائحاً. وكما هو متوقع، فقد تسببت هذه التعيينات في اندلاع مظاهرات على الفور -- اتسمت أغلبيتها بالعنف -- مما أدت في النهاية إلى إرغام المحافظ على تقديم استقالته يوم الأحد.

ومع ذلك، فمن وجهة نظر مرسي، ربما كان تعيين عضو في "الجماعة الإسلامية" في ذلك المنصب أمراً يستحق ردة فعل عكسية. فبعد ذلك بيومين، أعلن أحد قادة "الجماعة الإسلامية" عاصم عبد الماجد أن "الإسلاميين سيواجهون العنف بالعنف يوم 30 حزيران/يونيو"، محذراً من أن جماعته سترد على العنف بإعلان دولة إسلامية من «ميدان التحرير»". ولئلا يظن أحد أن هذه التهديدات فارغة، من المفيد الانتباه إلى الأمور التالية: كان عبد الماجد مسجوناً منذ عام 1981 وحتى 2006 بسبب تقديمه الدعم "المعنوي والمادي" لقتلة الرئيس المصري السابق أنور السادات، كما شارك سابقاً نفس الزنزانة التي سُجن فيها زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري.
لذا فعشية المظاهرة الحاشدة الأخرى المخطط لها سيجد معظم المصريين أنفسهم: بين معارضة غاضبة تسعى إلى انتفاضة جديدة، يتوقف "نجاحها" على قدرتها على إثارة الفوضى غير المسبوقة، وحزب حاكم يحب المواجهات وعاجز بكل ما تحمله الكلمة من معنى ويعتمد الآن على بعض العناصر السياسية الأكثر عنفاً في مصر كداعمين له بشكل أساسي. وأياً كان الذي سيحدث في الثلاثين من حزيران/يونيو، فإن ذلك لا يمكن أن يمر بسلام.

إريك تراجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق