السبت، 21 يوليو 2012

تاثير الاوضاع في سوريا على امن لبنان


لم تكن الضربة الأمنية الموجعة التي تلقاها النظام السوري بمقتل عدد من أركانه الأمنيين، موضع ترحيب تلقائي لدى الدوائر الديبلوماسية في واشنطن بدليل التعامل معها بكثير من «القلق». ولعلّ تصريح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بأن «الوضع في سوريا يخرج عن السيطرة» هو خير تعبير عن القلق الأميركي حيال تفجير مقر الأمن القومي في دمشق الذي أودى بحياة عدد من أركان النظام.

تتعدد أسباب القلق وأولها أن تصفيات من هذا المستوى «تؤدي إلى تقليص حظوظ الانتقال السياسي المنظّم كما ترغب الإدارة الأميركية». ويقول المحلّل الاستراتيجي الأميركي ومؤسس مركز «ميديست واير» للأبحاث نيكولاس نو إن «الدوائر الأميركية المعنية بسوريا ترغب أولا بانهيار منظم ومخطط ومسيطر عليه للسلطة، وهو نقيض انفجار الفوضى الذي ينعكس في المنطقة برمتها»، ويشير الى أن قيام بعض الجهات سواء تمثلت بـ«الجيش السوري الحرّ» أو ببعض المتطرفين بتصفية القيادات العليا في النظام السوري «يصعّب على الغرب السيطرة على مقابض السلطة ومحاولة تقليص العنف».

أما السبب الثاني للقلق الأميركي، فيتمثل بأن عمليات مماثلة تقلل فرص التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا، لأنّ «أي اتفاق بينهما يصبح صعب التطبيق ميدانيا، فإذا أضحت القيادة السورية نفسها ممزقة وأكثر تطرفاً وتعطشاً الى العنف، فهذا يجعل تطبيق أي حلّ على الأرض صعبا». ويقول ان البهجة التي يشعر بها معارضو النظام السوري بسبب هذا التفجير «لا تتقاسمها معهم واشنطن، بل إن القلق من تدحرج كرة العنف هو السائد في العاصمة الأميركية».

«الانهيار المخطط والمنظم» الذي تريده واشنطن برز في مؤتمرات «أصدقاء سوريا» وفي العقوبات المفروضة على النظام وفي تسهيل الانشقاقات عن نظام الأسد «وهذا مختلف تماما عن «الحرب الراديكالية» (المتطرفة) التي تستهدف رأس هرم القيادات الأمنية السورية، لأن ذلك ينعكس تطرفا على النظام نفسه وعلى المعارضة التي ستصبح أكثر تطرفا من وجهة نظر واشنطن. فالغرب يسعده كثيرا رؤية انشقاقات من قيادات مرموقة مثل الضابط مناف طلاس والسفير السوري في العراق نواف الفارس وسواهما، وهو يشجع ذلك لأنه مدرج في العقل الغربي ضمن ما يسمى «السيطرة العقلانية» التي تحتوي الحوادث الجارية، لكنّ تفجير دمشق فجر معه هذا التفكير الأميركي» على حد تعبير نيكولاس نو.


ويشير نو الى أن العنف الذي شهدته دمشق عبر التفجير الأخير «يصعّب على أي جهة كانت احتواء الأوضاع، ومن هنا تتقاسم واشنطن وموسكو القلق، لأن كبار اللاعبين الدوليين لا يرغبون في رؤية القيادات العالية تقتل خبط عشواء، بل يرغبون في رؤية هذه القيادات تخرج من المأزق بطريقة سلسة عبر اتفاقات سرية وصفقات مع هذه الدول تؤمن مرحلة انتقالية هادئة، في حين أن قتل هذه القيادات يصعب احتواء التطرف الناشئ والعنف الذي يرافقه، وبالتالي ما تريده الدول هو ربح سلطة على الأرض تتيح لها التفاوض مع قادة النظام لتقديم تنازلات، وليس مستبعدا البتة أن ترغب بعض الدول بالقيام ببعض «البزنس» مع رؤوس النظام السوري إذا أتيحت لها الفرصة». ويستدرك: «البدء باغتيال القادة يغلق الباب على هذه الاحتمالات ويفتحه أمام الحلول الراديكالية».

ما هي انعكاسات ذلك على دول الجوار، لا سيما لبنان؟

يتوقف نيكولاس نو عند ازدياد منسوب التطرف عند النظام والمعارضة في سوريا، ويقول «بعد العنف الذي مارسه النظام السوري منذ بداية الثورة، من المنتظر أن يعمد الى استخدام المزيد من العنف وسنشهد فصوله من الآن فصاعدا بشكل أكبر، هذا العنف الذي ستتقاسمه معه المعارضة سيتظهر ميدانيا لأن القاعدة التي ستنشأ جراء التطرف هي الآتية: «إما الفعل وإما الموت»، وتتحمل المعارضة السورية ذنب هذا العنف الزائد بسبب ما قامت به».

انطلاقا من هذه الفكرة، يشير نو الى ان المسرح السوري «سيصبح بدوره أكثر تطرفا واستعدادا للعنف، ولبنان جزء من هذا المسرح وهو سيمر بمرحلة عنيفة في الأيام المقبلة وعلى اللبنانيين العمل على احتوائها».

وعما إذا كان النظام السوري صاحب مصلحة بنقل العنف إلى لبنان، قال: «أذكّر بأن المعارضة السورية هي التي تهتم باستهداف نقاط ضعف النظام في الداخل لإضعافه، من جهة أخرى، فإن للنظام السوري مصلحة بجرّ حلفائه إلى الفوضى الداخلية، وبالتالي يبدو من مصلحة النظام جرّ حليفه «حزب الله» إلى هذا القتال الدائر على أرضه، وهذا الأمر سهل، ان جلّ ما يفعله النظام السوري هو التوجه إلى الحدود مع إسرائيل وإطلاق صواريخ على المستوطنات وقتل بعض الإسرائيليين وهذا وحده كفيل بجرّ لبنان وإسرائيل والمنطقة برمتها إلى حرب مدمّرة فيكون النظام السوري قد حقق ما يسمّى «التوازن المناخي» في المنطقة، أي أن يصبح مناخ العنف هو ذاته في المنطقة كما هو في سوريا».

وعن إمكان توجيه إسرائيل ضربة لإيران قبل الانتخابات الأميركية وخصوصا في ظل مناخ عن فشل وزيرة الخارجية الأميركية في إقناع إسرائيل بالعدول عن هذه الفكرة، يقول نيكولاس نو إن الحديث عن ضربة لإيران اليوم «ليس في موضعه لأن العنف الميداني يتسارع بوتيرة كبرى لا يمكن احتواؤها في سوريا، وبالتالي إن التحدث عن ضربة لإيران راهنا يشبه الحديث عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لأن هناك مشاكل أكبر وأهم تحصل حاليا وهي جديرة بخلق عنف كبير وشامل وبالتالي من غير المجدي حاليا التحدث عن ضربة لإيران أو المحكمة الدولية لأن الحوادث تتسارع في سوريا وتنعكس بسرعة على المسرح الذي يضم سوريا ولبنان وإسرائيل».

يتوقع نو أن تنعكس الحوادث السورية «بسرعة على الوضع بين لبنان وإسرائيل وسوريا، وسيكون من المفاجئ إن لم يحصل هذا التطوّر».

ويؤكد الباحث الأميركي أن إدارة الرئيس باراك أوباما وعلى نقيض إدارة الرئيس جورج بوش تنظر الى لبنان كبقعة ترغب في أن تكون مستقرة وحيث منسوب العنف مسيطر عليه تماما، لأنه من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على الاستقرار في الدول المجاورة لسوريا، ما يشكل «طوقا صحيا وآمنا» يتيح تحقيق «انهيار آمن» في الأسابيع المقبلة عوض حصول انفجار، لذا تبذل الولايات المتحدة جهودا حثيثة لإبقاء لبنان والأردن وتركيا وإسرائيل في حال استقرار نسبي، وهذا لا يعني ألا تشجع أميركا تسليح المعارضين عبر قنوات من تركيا والأردن ولبنان شرط أن يبقى ذلك ضمن مستوى معقول لا يؤدي الى زعزعة الاستقرار لأن أميركا لا ترغب في رؤية هذه البلدان في معمعة الاضطراب والعنف لأن ذلك يؤدي الى انفجار في المنطقة والى صعوبة احتواء الوضع السوري».

وعن إمكان تحريك ورقة الجنوب يقول نو إن هذا الموضوع «ليس في يد إيران و«حزب الله» بل هو قرار تملكه إسرائيل والنظام السوري، فهما من تحسبان مصالحهما الاستراتيجية ويمكنهما جرّ «حزب الله» وإيران الى صراع أوسع، وهذا أمر لا يستطيع «حزب الله» السيطرة عليه، وثمة حوادث كثيرة باتت تحدث لا يمكن «حزب الله» التحكّم بها. الأمر الوحيد الواضح من كلام مسؤولي الحزب حاليا أنه في حال حصول تدخل عسكري دولي في سوريا من قبل «حلف الأطلسي» مثلا فإن إيران و«حزب الله» سيتدخلان في الصراع الدائر».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق